فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة فاطر:

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ} والفطر الشق عن الشيء بإظهاره للحسن يقال فطر ناب الناقة إذا طلع، وفطر دمه إذا أخرجه. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها.
وفي تأويله هاهنا وجهان:
أحدهما: خالق السموات والأرض، قاله قتادة، والكلبي، ومقاتل.
الثاني: أنه شقها لما ينزل منها وما يعرج فيها.
{جَاعِلِ الْمَلآَئِكَةِ رُسُلاً} فيه قولان:
أحدهما: إلى الأنبياء، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: إلى العباد رحمة أو نقمة، قاله السدي.
{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة. والمثنى والثلاث والرباع ما تكرر فيه الاثنان والثلاثة والأربعة.
{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه حسن الصوت، قاله الزهري وابن جريج.
الثاني: أنه الشعر الجعد، حكاه النقاش.
الثالث: يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء، قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً: أنه العقل والتمييز.
ويحتمل خامساً: أنه العلوم والصنائع. ويكون معناه على هذين التأويلين:
كما يزيد في الخلق ما يشاء كذلك يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء.

.تفسير الآيات (2- 6):

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)}
قوله عز وجل: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: من خير، قاله قتادة.
الثاني: من مطر، قاله السدي.
الثالث: من توبة، قاله ابن عباس.
الرابع: من وحي، قاله الحسن.
الخامس: من رزق وهو مأثور.
السادس: من عافية، قاله الكلبي.
السابع: من دعاء، قاله الضحاك.
ويحتمل ثامناً: من توفيق وهداية.

.تفسير الآيات (7- 8):

{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
قوله عز وجل: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة، ويكون سوء عمله معاندة الرسول.
الثاني: أنهم الخوارج، رواه عمرو بن القاسم، ويكون سوء عمله تحريف التأويل.
الثالث: الشيطان، قاله الحسن ويكون سوء عمله الإغواء.
الرابع: كفار قريش، قاله الكلبي، ويكون سوء عملهم الشرك.
وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب، وقال غيره نزلت في أبي جهل بن هشام.
في قوله: {فَرءَاهُ حَسَناً} وجهان:
أحدهما: صواباً، قاله الكلبي.
الثاني: جميلاً.
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المحذوف منه: فإنه يتحسر عليه يوم القيامة، قاله ابن عيسى.
الثاني: أن المحذوف منه: كمن آمن وعمل صالحاً لا يستويان، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أن المحذوف منه: كمن عمل الحسن والقبح.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)}
قوله عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} فيه قولان:
أحدهما: يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى، قاله قتادة.
الثاني: علم العزة لمن هي، فلله العزة جميعاً.
وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله: {وَاتَّخَذُواْ مِن اللهِ دُونِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّاً} فأنزل الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فِلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}.
{إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} فيه قولان:
أحدهما: أنه التوحيد، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: الثناء علىمن في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون، حكاه النقاش.
{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أداء الفرائض.
الثاني: أنه فعل القرب كلها.
وفي قوله: {يَرْفَعُهُ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، قاله الحسن، ويحيى بن سلام.
الثاني: أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، قاله الضحاك وسعيد بن جبير.
الثالث: أن العمل يرفعه الله بصاحبه، قاله قتادة، السدي.
{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني يشركون في الدنيا.
{لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} يعني في الآخرة.
{وَمَكْرُ أُوْلئِكَ هُوَ يَبُورُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يفسد عند الله تعالى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: يبطل، قاله قتادة.
الثالث: يهلك، والبوار الهلاك، قاله قطرب.
وفي المراد: {أُوْلئِكَ} قولان:
أحدهما: أهل الشرك.
الثاني: أصحاب الربا، قاله مجاهد.
قوله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} يعني آدم.
{ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يعني نسله.
{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} فيه وجهان:
أحدهما: أصنافاً، قاله الكلبي.
الثاني: ذكراناً وإناثاً، والواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان، قال الله تعالى: {وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينَ الذَّكَرَ والأُنْثَى} [النجم: 45] وتأول قتادة قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} أي زوّج بعضكم لبعض.
{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} يعني بأمره.
{وَمَا يَعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ منْ عَمُرِهِ} الآية. فيه قولان:
أحدهما: ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرماً. ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلاً إلا في كتاب.
الثاني: ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله.
قال سعيد بن جبير: هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله، وبمثله قال أبو مالك، والشعبي.
وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل:
أحدها: ستون سنة، قاله الحسن.
الثاني: أربعون سنة.
الثالث: ثماني عشرة سنة، قاله أبو غالب.
{إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي هين.
ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن إثبات ذلك على الله يسير.
الثاني: أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير.
وللكلبي فيه ثالث: أن حفظ ذلك بغير كتاب على الله يسير.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما يستويان في أنفسهما.
الثاني: في منافع الناس بهما.
{هذَا عَذْبٌ فُراتٌ} والفرات هو العذب وذكره تأكيداً لاختلاف اللفظين كما يقال هذا حسن جميل.
{سَآئَغٌ شَرَابُهُ} أي ماؤه.
{وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي مُرٌّ مأخوذ من أجة النار كأنه يحرق من شدة المرارة، قال الشاعر:
دُرَّةٌ في اليمين أخرجها الغا ** ئص من قعر بحر ملح أجاج

{وَمِن كُلٍّ تَأكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} يعني لحم الحيتان مأكول من كلا البحرين.
{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} اللؤلؤ والمرجان يستخرج من الملح، ويكون المراد أحدهما وإن عطف بالكلام عليهما.
وقيل: بل هو مأخوذ منهما لأن في البحر عيوناً عذبة، وما بينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج وقيل من مطر السماء.
ثم قال: {تَلْبَسُونَهَا} وإن لبسها النساء دون الرجال لأن جمالها عائد عليهم جميعاً.
{وَتَرى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: مقبلة ومدبرة وريح واحدة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: مواقر، قاله الحسن. قال الشاعر:
تراها إذا راحت ثقالاً كأنها ** مواخر فلك أو نعام حوافل

الثالث: معترضة، قاله أبو وائل.
الرابع: جواري، قاله ابن قتيبة.
الخامس: تمخر الماء أي تشقه في جريها شقاً، قاله علي بن عيسى.
{لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} قال مجاهد: التجاة في الفلك.
ويحتمل وجهاً آخر ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتان.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: على ما آتاكم من نعمه.
الثاني: على ما آتاكم من فضله.
ويحتمل ثالثاً: على ما أنجاكم من هوله.